للوقوف على العلاقة بين البلاغة والتفسير، يجمُل بنا أن نعرف معنى كلٍّ من العلمين: علم البلاغة وعلم التفسير، أما علم التفسير، فهو: العلم الذي يعين على كشف وبيان معاني آيات القرآن الكريم، واستخراج الأحكام منها.
أما البلاغة (لغة) فهي: الوصول والانتهاء، وعرّفها صاحب التلخيص (اصطلاحاً)، فقال: "البلاغة في الكلام مطابقته لمقتضى الحال مع فصاحته .. فالبلاغة راجعة إلى اللفظ باعتبار إفادته المعنى بالتركيب" [التلخيص، القزويني، ص33].
نفهم من هذا أن سلامة تركيب الكلمات إذا أدى إلى إفادة معنى يكون هذا من البلاغة، أي أن الكشف عن المعنى والوصول إلى المقصود هو من البلاغة. وهذا بحدّ ذاته يكشف عن علاقة البلاغة بالتفسير.
وليس عبثاً أن أطلق العلماء على أبرز قسم من أقسام البلاغة (علم المعاني)، فلولا التصاقه بالمعاني وكشفه عنها لما كان لهذه التسمية كبير فائدة.
وليس عبثاً كذلك أن ربط الإمام المفسر صاحب القريحة الوقادة البليغ الماهر جار الله الزمخشري بين القدرة على التصدي لعلم التفسير والبراعة في علمي البيان والمعاني، حيث قال في مقدمة تفسيره (الكشاف): "لا يتصدى منهم أحد لسلوك تلك الطرائق، ولا يغوص على شيء من تلك الحقائق، إلا رجل قد برع في علمين مختصين بالقرآن، وهما: علم المعاني، وعلم البيان، وتمهل في ارتيادهما آونة، وتعب في التنقير عنهما أزمنة..".
فإذا عرفنا أن التقديم والتأخير (مثلاً) مبحث من مباحث علم المعاني الذي هو أحد أقسام علم البلاغة وإذا عرفنا ما له من أثر على المعنى، نعلم حينئذِ مدى الالتصاق بين علم المعاني وعلم التفسير.
فليس تقديم المفعول (إياك) في قوله تعالى: "إياك نعبد وإياك نستعين" إلا لمعنى أفاده هذا التقديم، وهو التخصيص؛ لذلك قال المفسرون إن تفسير الآية: نخصك وحدك بالعبادة والاستعانة، ولم يقولوا: نعبدك ونستعينك... وفرقٌ بين التفسيرين.
كما أن اختيارَ اللفظة القرآنية الذي هو من مظاهر البلاغة أمرٌ شديد الصلة بالمعنى الذي تفيده الآية، وإلا فلماذا ذكر الله عز وجل كلمة (السنة) تارة، وكلمة (العام) تارة أخرى في الآية نفسها؟ فقد قال تعالى: "ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً"؟ لم يكن ذلك إلا لأن كل كلمة تعطي معنى مختلفاً عن الآخر. [للتوسع انظر: إعجاز القرآن الكريم، د. فضل عباس، ص178].
وهذا يقال في جميع مباحث البلاغة من (التعريف والتنكير) و(الحذف والذكر)، وكذا يقال في علم البيان من تشبيهات واستعارات ومجازات.
قد يعترض أحد على ما ذكرتُه بأن هذه الأمور المذكورة كلها أمور تعكس إعجاز القرآن الكريم، فالبلاغة متصلة بالإعجاز لا بالتفسير.
وأقول: إن هذه العلوم متشابكة، لا يمكن الفصل بينها بحدود عازلة، فبعضها يؤدي إلى بعض، ويكمل بعضها بعضاً، فليس لنا أن نكتشف إعجاز القرآن الكريم إنْ لم يكن لدينا علم بمعانيه، ولن نستطيع أن نعرف دقائق هذه المعاني إن لم يكن لدينا علم بالبلاغة.
وأظن أن صلة علم البلاغة بعلم النحو لا يدع مجالاً للشك بأن أهم دعامة من دعائم علم التفسير هي البلاغة؛ ذلك أن أحداً لا يشك بأن التفسير يقوم على علم النحو وأن من أهم شروط المفسر أن يكون على دراية بهذا العلم.
بيان ذلك: أن تأليف الكلام وفقاً لقوانين النحو وأصوله مدخل لفهم معناه وتحديد المراد منه، ولا يخفى أن الأساس الذي قام عليه علم المعاني ـ وهو نظرية النظم ـ هو توخي معاني النحو وأحكامه، كما يقول الشيخ عبد القاهر الجرجاني صاحب نظرية النظم في كتابه العظيم (دلائل الإعجاز): "...إلا أنك قد علمت علماً أبى أن يكون للشك فيه نصيب، وللتوقف نحوكَ مذهبٌ، أنْ ليس "النظم" شيئاً إلا توخي معاني النحو وأحكامه ووجوهه وفروقه فيما بين معاني الكلم" [ص525].
وهكذا فإن موضوعَي (علم المعاني) و(علم النحو) واحد، فهما يبحثان القوانين التي يجب مراعاتها في تأليف الكلام، والعلاقات القائمة بين الكلمات في الجملة وبين الجمل بعضها مع بعض، وأثر ذلك على أداء المعنى المطلوب.
وإذا ثبتت الصلة بين علم المعاني وعلم النحو،
وإذا ثبتت أهمية علم النحو للتفسير،
يثبت ـ بلا شك ـ مدى الصلة الوثيقة التي بين علمي التفسير والبلاغة.
فلا يجوز إقصاء البلاغة عن التفسير، وإبعادها عن وظيفتها في الوقوف على الخصائص التعبيرية للآيات الكريمة واستخلاص معانيها.
ناهيك عن التأثير الذي تحدثه بلاغة آيات الكتاب العزيز في نفس السامع لها والقارئ وإيصال المعنى إلى قلبه في أحسن صورة من اللفظ.
أما البلاغة (لغة) فهي: الوصول والانتهاء، وعرّفها صاحب التلخيص (اصطلاحاً)، فقال: "البلاغة في الكلام مطابقته لمقتضى الحال مع فصاحته .. فالبلاغة راجعة إلى اللفظ باعتبار إفادته المعنى بالتركيب" [التلخيص، القزويني، ص33].
نفهم من هذا أن سلامة تركيب الكلمات إذا أدى إلى إفادة معنى يكون هذا من البلاغة، أي أن الكشف عن المعنى والوصول إلى المقصود هو من البلاغة. وهذا بحدّ ذاته يكشف عن علاقة البلاغة بالتفسير.
وليس عبثاً أن أطلق العلماء على أبرز قسم من أقسام البلاغة (علم المعاني)، فلولا التصاقه بالمعاني وكشفه عنها لما كان لهذه التسمية كبير فائدة.
وليس عبثاً كذلك أن ربط الإمام المفسر صاحب القريحة الوقادة البليغ الماهر جار الله الزمخشري بين القدرة على التصدي لعلم التفسير والبراعة في علمي البيان والمعاني، حيث قال في مقدمة تفسيره (الكشاف): "لا يتصدى منهم أحد لسلوك تلك الطرائق، ولا يغوص على شيء من تلك الحقائق، إلا رجل قد برع في علمين مختصين بالقرآن، وهما: علم المعاني، وعلم البيان، وتمهل في ارتيادهما آونة، وتعب في التنقير عنهما أزمنة..".
فإذا عرفنا أن التقديم والتأخير (مثلاً) مبحث من مباحث علم المعاني الذي هو أحد أقسام علم البلاغة وإذا عرفنا ما له من أثر على المعنى، نعلم حينئذِ مدى الالتصاق بين علم المعاني وعلم التفسير.
فليس تقديم المفعول (إياك) في قوله تعالى: "إياك نعبد وإياك نستعين" إلا لمعنى أفاده هذا التقديم، وهو التخصيص؛ لذلك قال المفسرون إن تفسير الآية: نخصك وحدك بالعبادة والاستعانة، ولم يقولوا: نعبدك ونستعينك... وفرقٌ بين التفسيرين.
كما أن اختيارَ اللفظة القرآنية الذي هو من مظاهر البلاغة أمرٌ شديد الصلة بالمعنى الذي تفيده الآية، وإلا فلماذا ذكر الله عز وجل كلمة (السنة) تارة، وكلمة (العام) تارة أخرى في الآية نفسها؟ فقد قال تعالى: "ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً"؟ لم يكن ذلك إلا لأن كل كلمة تعطي معنى مختلفاً عن الآخر. [للتوسع انظر: إعجاز القرآن الكريم، د. فضل عباس، ص178].
وهذا يقال في جميع مباحث البلاغة من (التعريف والتنكير) و(الحذف والذكر)، وكذا يقال في علم البيان من تشبيهات واستعارات ومجازات.
قد يعترض أحد على ما ذكرتُه بأن هذه الأمور المذكورة كلها أمور تعكس إعجاز القرآن الكريم، فالبلاغة متصلة بالإعجاز لا بالتفسير.
وأقول: إن هذه العلوم متشابكة، لا يمكن الفصل بينها بحدود عازلة، فبعضها يؤدي إلى بعض، ويكمل بعضها بعضاً، فليس لنا أن نكتشف إعجاز القرآن الكريم إنْ لم يكن لدينا علم بمعانيه، ولن نستطيع أن نعرف دقائق هذه المعاني إن لم يكن لدينا علم بالبلاغة.
وأظن أن صلة علم البلاغة بعلم النحو لا يدع مجالاً للشك بأن أهم دعامة من دعائم علم التفسير هي البلاغة؛ ذلك أن أحداً لا يشك بأن التفسير يقوم على علم النحو وأن من أهم شروط المفسر أن يكون على دراية بهذا العلم.
بيان ذلك: أن تأليف الكلام وفقاً لقوانين النحو وأصوله مدخل لفهم معناه وتحديد المراد منه، ولا يخفى أن الأساس الذي قام عليه علم المعاني ـ وهو نظرية النظم ـ هو توخي معاني النحو وأحكامه، كما يقول الشيخ عبد القاهر الجرجاني صاحب نظرية النظم في كتابه العظيم (دلائل الإعجاز): "...إلا أنك قد علمت علماً أبى أن يكون للشك فيه نصيب، وللتوقف نحوكَ مذهبٌ، أنْ ليس "النظم" شيئاً إلا توخي معاني النحو وأحكامه ووجوهه وفروقه فيما بين معاني الكلم" [ص525].
وهكذا فإن موضوعَي (علم المعاني) و(علم النحو) واحد، فهما يبحثان القوانين التي يجب مراعاتها في تأليف الكلام، والعلاقات القائمة بين الكلمات في الجملة وبين الجمل بعضها مع بعض، وأثر ذلك على أداء المعنى المطلوب.
وإذا ثبتت الصلة بين علم المعاني وعلم النحو،
وإذا ثبتت أهمية علم النحو للتفسير،
يثبت ـ بلا شك ـ مدى الصلة الوثيقة التي بين علمي التفسير والبلاغة.
فلا يجوز إقصاء البلاغة عن التفسير، وإبعادها عن وظيفتها في الوقوف على الخصائص التعبيرية للآيات الكريمة واستخلاص معانيها.
ناهيك عن التأثير الذي تحدثه بلاغة آيات الكتاب العزيز في نفس السامع لها والقارئ وإيصال المعنى إلى قلبه في أحسن صورة من اللفظ.